ليس هناك تعريف محدد للاختراع تتقيد به كل الجهات المعنية به. فتجد مثلا صياغة تعريف الاختراع تختلف من عالم متخصص عن عالم آخر ومن دولة ما عن دولة أخرى, مما يجعل بعض المهتمين بهذا المجال في حيرة من أمرهم.
وهناك من يجد الصعوبة في التفريق بين مفهوم الاختراع والاكتشاف كالعالم "كروبر" والعالم "هاري سون" .
إلا أننا في هذه العجالة لن نغوص عميقا في بحور التعريف الواسع ومتاهاته, ويكفي أن نركز هنا على نقاط عامة متداولة ومتوافقة المفهوم وان اختلفت الصياغة اللغوية او المرامي القانونية او الأسلوب في ترتيب التعريف حسب الأهمية.
وقد تعطي هذه الفضفضة في التعريف لبعض الجهات العاملة فيه مجالا للمناورة تحصد من خلاله فوائد علمية او تجارية او لحاجة في أنفسهم وهذه النقطة الأخيرة قد نتطرق إليها فيما بعد إن شاء الله
.
ربما الدوافع السياسية والعسكرية تلعب اليوم دورا كبيرا في توسيع هوة إشكالية التعريف لتلك المفاهيم أكثر من الدوافع الأخرى. ولتوضيح مفهوم الاختراع أكثر قد نجد ترادفا او قل تشابها لهذا في المجال الأدبي, مثل أن تكون الكلمات في لغة ما موجودة أصلا ومتداولة, لكن من يخرج لنا بحكمة او شعر او...نتيجة ترتيبه للكلمات بطريقة معينة يعبر او يصف موقف معين مألوف فان هذا لا يلفت انتباهنا فحسب بل يثير إعجابنا إلى درجة وصف العمل بالإبداع. وكانت كلمة الابتداع هي المستعملة قديما قبل أن تستبدل بالمفاهيم الحديثة. ومن هنا نلاحظ أن كلمة إبداع (التي غالبا ما تستخدم في المجال الأدبي) تبدوا الكلمة المرادفة او المقابلة لكلمة الاختراع التي باتت تستخدم في المجال العلمي التطبيقي(.
وفي الثقافة العربية غالبا ما يدخل الاختراع تحت عباءة الإبداع إلا أن الكلمة الأخيرة تستخدم بشكل واسع في المجال الأدبي. في الغالب الأعم ليس الاختراع بعيدا عن الإبداع وان كان مجال التطبيق لكل منهما يوسع بعد التعريف بينهما. والمخترع لا يأتي بالأشياء من العدم لكنه يتمكن من اقتباس الأشكال او الحركات الميكانيكية وغيرها من محيطه الطبيعي او الصناعي ويحسن استخدام واستغلال الموجود من الأشياء الأولية او الوسائل ليخرجها في شكل جديد ودور جديد. فالاختراع إذا إن جاز لنا محاصرة بعض جوانبه المتداولة بالقول :
هو عبارة عن تقليد او تنمية او استغلال واعي, بعيدا عن الصدفة إلى حد ما (عند تنفيذه) لبعض الظواهر الطبيعية او الثقافية القائمة, بشكل مباشر لبعض منها, وبشكل غير مباشر
للبعض الآخر. فالطيور هي التي أوحت للإنسان بفكرة صناعة الطائرة التي تعتبر بدائية جدا مقارنة بها. فالجناح في للطيور يقوم مقام الدفع والتحكم في التوازن وأشياء أخرى وهذا بأقل طاقة في حين أن الطائرة...
إن خلاصة ما سبق ذكره وما سوف نورده لاحقا يفرض علينا أن نطلق بعض التعريفات بلا تردد وليس لأنه يوجد تعريف مثله متعارف عليه بذات المصطلح, إلا انه يوجد مفسرا بعدد كبير من الصفحات. فالواقع يجبرنا بعض الأحيان أن نسمي الأمور بمختصر جديد لمسميات ظلت مشتتة في الواقع ومفسرة بكلمات تملا الصفحات تنتظر من يتشجع ليضعها في قولبها المناسب الذي قد يعارضه البعض ويوافق عليه البعض الآخر, كما يحدث مع أشياء كثيرة في الحياة. لكن المهم هو أن يعبر ذلك المفهوم عن ما في الواقع ويزيل عنه الغشاوة ليطابق بذلك ما يكمن في صدور من تحاول التعبير عنهم ممن تعثر في فيهم التعبير.
فالاختراع او الابتكار او الاكتشاف قد يولد اختراعا او ابتكارا اخر او... ولكون الاخترع هو فكرة تتطلب التطبيق في الواقع او التقييد في سجل النظريات غير الفرضية فإنها كالفكرة التي قد تولد فكرة او افكار اخرى.
أهمية الاختراعات في حياتنا
إذا كان قد قيل: ليس بالطعام وحده يحيى الانسان, فان الاختراع رافق الانسان منذ وجوده في هذه الأرض. فالطعام الذي هو عنصر مهم من عناصر الحياة, يتطلب تحضيره او إعداده وسائل ما كانت لتوجد لولا العقل المفكر والمبدع الذي وهبه الله للإنسان. فالحاجة تدفع الانسان إلى إيجاد الوسائل او البدائل للأشياء الموجودة (الأقل كفاءة) لتكون أكثر تطورا منها وأعلى كفاءة. ومن ذلك تتبلور أهمية الأشياء المخترعة على حسب اعتماد استخدامها ومردود عطائها من تسهيل للصعوبات وإيجاد ما لم يكن يوجد قديما. فالسكين الذي لا نستغني عنه قديما وحديثا يعتبر من أهم الاختراعات التي شهدت بعض التطوير في مواد صناعته وميكنته. ثم لننظر إلى ما حولنا من المنتجات لنعرف أهمية الاختراعات في حياتنا وكيف أننا لا نستطيع الاستغناء عن بعضها؟ كما لا احد ينكر أن بعض الاختراعات التي أسيئ استخدامها كان لها آثار تدميرية للإنسان وبيئته. إن نهضة الغرب الصناعية اعتمدت أساسا على القفزات المتتالية التي كانت الاختراعات تحقن بها مفاصلها. وكلما تنوعت ثقافات العقول المبدعة التي تحتضنها دولة ما كان الازدهار الصناعي والاقتصادي والنفوذ السياسي حليفها.
واقرب مثل لذلك أمريكا التي تميزت باحتضان العقول النازفة من بلدانها الأصلية. ولا يفوتنا أن نشيد بتجربة الدولة الصغيرة السويد وسياستها تجاه البحث العلمي والاختراعات.
فقد قطف المجتمع السويدي ثمار رعايته للإبداع خاصة في المجال العلمي حيث إن الميزانية التي ترصدها الحكومة لذلك كبيرة جدا. كما أن مرونة التعامل مع الأشياء بحرية وشجاعة
أكسبت صناعتها صلابة قل نظيرها. إذ أن تلك الخصال مهمة عند التعامل مع نتاج البحوث والاختراعات خاصة في وسط بحر من الدول العملاقة التي ما فتئت تعلوا أمواجها المتنافسة. كما أن كثير من الدول التي تنعم اليوم بالرخاء الاقتصادي لا تملك الموارد الطبيعية لكنها تعتمد في دخلها أساسا على ما تنتجه مصانعها في حين أن الدول التي تجلب منها المواد الأولية (الخام) لكثير من الصناعات
تعيش شعوبها في تخلف وفقر مطقع! فالكنز لا يحقق الرخاء ولا المنفعة إن ظل رابضا مخزونا لا يستخدم بإتقان وكفاءة بل يصبح طامة وبلاءا عندما يتقاتل عليه الطامعون كما يحدث اليوم مع الألماس الذي ينتج جله في بعض الدول الإفريقية الأكثر فقرا. والكنز يرتفع قيمته على حسب نسبة استعماله وتداوله بكفاءة وكذلك أهمية المجال الذي يستخدم فيه وكل هذا عن طريق الوسائل المخترعة. فاليورانيوم الذي يعتبر أغلى من الذهب لم يكن له أهمية
قبل عدة عقود من الزمان, لكن إيجاد الوسائل التي يمكن الاستفادة منه جعلته مهم جدا في عصرنا الذري. اذا, بعض الوسائل المخترعة هي كنز في حد ذاتها. لولا الاختراعات ما بلغ الانسان سطح القمر ولا غاص في لج البحر. والأمثلة كثيرة هي, وقد لا يسعها إلا خيال المتخيل بل من يتمتع بسعة الخيال.